ماما سارة وبابا عمر
الحلقـة الأولـى
قـالت سـارة
:
احتضنت يحيى بقوة ونحن عائدين الى منزلنا وكأنى أخاف أن يغيب عن عيني لحظة واحدة.. رفضت كل المحاولات أن يحمله أحد بدلا منى فى السيارة.. أخاف لو تركته أن يتسلل ويدخل داخل رحمي مرة أخرى
لا أستطيع أن أبعده عن أحضاني لحظة وعندما طلبت الممرضة ان تودعه حجرة الأطفال كى أستريح من ارهاق الولادة رفضت باصرار وكدت أقتلها.. ورفضت حتى أن ينام فى سريره الصغير فى المستشفى وأصريت أن ينام بجواري وأفسحت له مكانا ليكون ملتصقا بى
ألم يكن ينام بجوار قلبي لأيام وشهور؟! كيف أستطيع فراقه وقلبى أحبه قبل أن تراه عيني؟
أجمل طفل رأته عينى.. ولا لأني أمه أقول هذا؟
أمه ؟! سبحان الله.. كيف تحولت فى شهور قليلة من فتاة بريئة تستطيع حشو العالم فى جيوبها وتلمع عيونها بالحيوية والاندفاع والجنون الى أم هادئة عاقلة تخشى من نسمة الهواء أن تصيب ولدها؟
وتوافق بلا تردد أن تموت هي ولا يخدش اصبع وليدها؟
سبحان الله.. لا يمكن أن تتحول الأنثى الى هذه الدرجة بملء ارادتها.. بل لابد من غريزة ربانية تغزو قلبها بعشق هذا الطفل قبل أن تراه كي تقبل كل هذا الألم والارهاق حتى يشب وليدها رجلاً
يالله.. حتى فى عشق المرأة لأطفالها يكون الله ثالثهما
*********
قـال عمـر
:
والله وبقيت أب يا عم عمر
ايه ده ازاي يعني؟.. يعني المفروض أعمل ايه ؟
لا أنا بجد لسه متلخبط وحاسس انى اتاخدت على خوانة يارجالة.. يعنى نخرج من البيت اتنين ونرجع تلاتة؟.. بس برضه ح أطير من الفرحة وكل ما أبص ليحيى أشوفه ملاك جميل نائم فى أحضان أمه التي
ترفض أن يحمله غيرها.. وناقص تديهولي على عرض حال دمغة
بس بجد أنا لو منها وشفت العذاب ده كله لا يمكن أخلى حد يلمسه.. الحمد لله ان الأم هى اللى بتولد مش الأب.. وكفاية العض والخربشة اللي شفتهم من سارة فى الولادة
والمشكلة انى مش عارف أشيله خالص وحاسس انى بأشيل قطعة كريستال ستنكسر من اى حركة خاطئة.. والكل يصرخ فيّ.. سارة وأمى وحماتى بألف تحذير: حاسب حتلوح رقبته – حط ايدك فى ظهره – ما تبوسوش جامد – دقنك ح تشوكه
حتى قررت أن أتفرج عليه وهو على ذراع أمه.. يعنى لو سمحتلي.. رغم ان أنا اللي دفعت كل التكاليف فى المستشفى وخلافه.. كمان اكتشفت ان عبارة: ألف مبروك واللى جابلك يخليلك.. معناها: ادفع ياسيدى من سكات
سمعتها ألف مرة من العمال والممرضات فى المستشفى حتى توسلت لهم أن نرجع البيت فوررررررا
*********
قـالت سـارة
:
آه.. واضح ان تأثير المسكن حيبدأ يروح وبدأت أشعر بأن 10 فتوات ادوني علقة جامدة جدا أو انى مشيت من طنطا لأسوان
آلام فى كل جسمي.. ولا أريد الا أن أنام.. وتركت تحضير الطعام وأمور البيت لأمي وحماتي وأخذت يحيى بجواري وأنا أكاد أتفتت من التعب واستغرقت فى النوم في لحظات معدودة
..........
ايه ده هو أنا لحقت أنام؟ ده أنا ما كملتش نصف ساعة؟ ده صوت قطة ده ولا ايه؟
مين ده؟.. آآآآآه ده يحيى
ايه يا حبيبي بس الله يهديك بتعيط ليه؟.. نفسى أنام ولو ساعتين بجد ح أموت من التعب.. ياماااااااااما الحقيني أعمل ايه؟
وجاءت أمى على صراخي وهى تضحك وتقول: علشان تعرفي الغُلب اللي انتي وريتهولي وانتي صغيرة
فرددت وأنا أكاد أبكى: طيب ياماما خديه دلوقتى علشان أنام واديله رضعة.. وأنا أول ما أصحى ح أعرف كل حاجة على طول
رفضت ماما باصرار وردت عليّ: بلاش دلع قومى رضعي الولد ده ميت من الجوع
فرددت بتعجب: أرضعه؟!.. ازاي؟ مفيش لبن لسه.. لا لا ما أعرفش.. اتكسف ياماما
فردت وهى تكاد تضربني: تتكسفي من ايه يامجنونة انتي؟.. يالاّ الولد ح يموت من الجوع وبعدين هو لما يرضع يا حبيبتي ربنا حيبعت له رزقه وحييجي اللبن.. يالا بلاش دلع
قلت باستسلام: طيب ياماما.. من فضلك أخرجي وأنا حارضعه
خرجت ماما وتركتنى مع يحيى.. ضممته اليّ والقمته صدري بأيدي مرتجفة وأنا أتوقع أن يرفضه أوالاّ يعلم كيف يرضع.. وياللعجب كأنه غريق وجد قارب النجاة
وجدته يحرك شفتيه الصغيرتين ويرضع بكل هدوء واطمئنان
*********
قـال عمـر
:
ممنوع أدخل أوضة النوم علشان سارة ويحيى نايمين فيها.. وماما نامت فى الأوضة التانية وحماتي فى المطبخ
طيب أنام فين أنا بقى.. عند البواب؟
من أولها كده يايحيى باشا حنتركن على الرف؟.. ماشى ياعم بس لما تكبر ح أوريك
خلاص حأنام فى الصالون وأمري لله.. بس فى البرد ده ؟! يالا علشان الواحد يقوم عنده كساح ونخلص بقى
بس سارة وحشتنى ويحيى كمان وحشنى طيب أعمل ايه؟
تسحبت لأنام بجوارهما في دفء الحجرة ومشيت على أطراف أصابعي وفتحت الباب بمنتهى الهدوء لأجد سارة حبيبتي نائمة في بحر عميق من شدة الارهاق وبجوارها الباشا الذى احتل مكاني
وجدتها فرصة لأدقق فى ملامحه لأجده ورث عيون سارة الجميلة ولون بشرتها الخمري وأخذ لون شعري الأسود وشكل ذقني.. ولمست بشرته الحريرية وأنا أتمنى أن يكبر فورا لألعب معه وأعرفه أني والده
وقبّلته بحرص شديد ولكن يبدو أنى أقلقت منامه فاستيقظ يبكي.. وحاولت اسكاته.. لم أعرف طبعا فصحيت سارة مفزوعة واكتشفت جريمتي وصرخت فيّ: حرام عليك ياعمرررررررررررر
.........
*********
*********
قـال عمـر
:
لا أدري لماذا تذكرت فيلم الحفيد.. والأب يبكي وهو يشتري لوازم الولادة من مغات ودجاج وخلافه.. وأنا مع حماتي نشتري لوازم البيت والمغات وو و.... مع طبعا اللمز واللمز من حماتي اننا مفروض نكون اشترينا كل الحاجات دى قبل الولادة.. وانا أتحجج بأن سارة ولدت قبل ميعادها وطبعا لم أقل اننا لم نملك ما نشترى به جناح كتكوت
اشترينا كمية من الدجاج تكفى حي شبرا وطن مغات وحلبة وسكر وعسل وأرز ووووووو.... وكدت أبكي أنا الآخر وأترك حماتي وحدها وأتعلل أن عندي مشوار لليونسكو.. لولا اني وجدتها وقت الحساب
تخرج مبلغا ضخما وتحاسب هي.. رقصت من السعادة وأنا أقطب جبينى وأقول: ليه كده بس يا طنط؟ طيب لو ما كنتيش تحلفي
*********
قـالت سـارة
:
ايه يا جماعة هو أنا وَحش؟ ازاي آكل فرخة كاملة لوحدي؟ وكمان مسلوقة؟ لا بجد حرام
لم تجد توسلاتى صدى أمام روسيا وأمريكا أقصد ماما وحماتي..أخيييرا أجدهم متفقين في شىء منذ زواجي الا وهو ضرورة جعلي كالدرفيل بعد الولادة من كثرة الطعام.. فأجدني في الصباح مضطرة الى شرب كوب كبير جدا من المغات الذى تعلوه طبقات من السمن البلدى والمكسرات والذى يكفى وحده الى جعلى شبعانة لمدة شهر.. ويتبعه كوب كبير من الحلبة بالعسل الأسود
مش عارفة ليه وكل ما أبدأ بالاعتراض تجتاحني نظرات نارية من الطرفين تجعلنى أبتلع الكوب والملعقة أيضا
والمشكلة اني مطالبة بشرب كميات لا نهائية من المغات والحلبة طوال اليوم.. وعندما أرى الكوب الميمون يتجه نحو فمي يكاد لسان حالى يقول: اشربى يا شابة ماحدش بياكلها بالساهل
ووقت الغداء أجدني مضطرة الى أكل فرخة ضخمة في حجم الديك الرومي وحدي.. لا أعرف لماذا؟ ومثلها فى العشاء
لا أعرف لماذا يظنون ان من تلد لابد أن تتحول الى فيل بزلومة؟.. فينك يا عمر؟
*********
..يـ تـ بـ ـع